إدارة الشئون الفنية
تلك حدود الله فلا تقربوها

تلك حدود الله فلا تقربوها

24 يناير 2020

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 29 من جمادى الأولى 1441هـ - الموافق 24 / 1 / 2020م

) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا(

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رُسُلَهُ بِالْبَيِّـنَاتِ، وَأَيَّدَهُمْ بِالْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ الْبَاهِرَاتِ، وَشَرَحَ صُدُورَهُمْ لِلْأَحْكَامِ وَالْآيَاتِ النَّـيِّـرَاتِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالذَّاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَزْكَى الْبَرِيَّاتِ بِخَاتِمِ الرِّسَالَاتِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الْفَضْلِ وَالْمَكْرُمَاتِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ مَا دَامَتِ الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللهَ وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَكْرَمَكُمْ بِهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ الْقَوِيمِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ  (  [الأنفال:20-21].

أَيُّهَا الْـمُسْلِمُونَ:

إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَخْلُقْنَا عَبَثًا، وَلَمْ يَتْـرُكْنَا سُدًى وَهَمَلًا؛ لِنَأْكُلَ وَنَشْرَبَ، وَنَمْرَحَ وَنَلْعَبَ، وَنَتَمَتَّعَ بِلَذَّاتِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِدُونِ حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ  ( [المؤمنون:115- 116]، بَلْ خَلَقَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَغَايَةٍ عَظِيمَةٍ وَهِيَ تَوْحِيدُهُ وَطَاعَتُهُ، وَإِخْلَاصُ الْعُبُودِيَّةِ لَهُ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ، وَلِإِقَامَةِ شَرْعِهِ، وَالْتِزَامِ حُدُودِهِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  ( [ الذاريات: 56]، وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: أَنْ أَحَلَّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ  ( [الأعراف:157].

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ:

لَقَدْ أَوْجَبَ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ: أَنْ يَلْتَزِمَ أَحْكَامَ الدِّينِ، وَأَنْ يَقِفَ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَأَلَّا يَتَجَاوَزَ مَا أَحَلَّهُ اللهُ إِلَى مَا حَرَّمَهُ، وَمَا أَمَرَ بِهِ إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ، فَحُدُودُ اللهِ: أَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ وَأَحْكَامُهُ الَّتِي حَدَّهَا لِعِبَادِهِ وَبَيَّـنَهَا، فَنَهَى عَنْ تَجَاوُزِهَا وَعَنْ تَعَدِّيهَا، وَسُمِّيَتْ حُدُودُ اللهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَعَاصِي وَتَزْجُرُ عَنِ ارْتِكَابِهَا، وَقَدْ جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ:

فَالْحَدُّ الْأَوَّلُ: حَدُّ الِاعْتِكَافِ؛ لِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: )وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ  ( [البقرة:187]، فَيَجِبُ أَنْ يَلْتَزِمَ الْعَبْدُ أَحْكَامَ اللهِ مِنْ أَوَامِرَ وَنَوَاهٍ، وَمِنْهَا عَدَمُ الْمُبَاشَرَةِ فِي الِاعْتِكَافِ، فَهِيَ مِنْ حُدُودِ اللهِ.

وَالْحَدُّ الثَّانِي: حَدُّ الْخُلْعِ؛ لِبَيَانِ الْفِدْيَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: )الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  ( [البقرة:229]، فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى تَجَاوُزَ حُدُودِهِ الَّتِي حَدَّهَا فِي الْعَلَاقَاتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَوَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يَقَعُونَ فِيهَا بِأَنَّهُمْ هُمُ الظَّالِمُونَ؛ لِأَنَّهُمْ تَجَاوَزُوا مَا حَرَّمَ اللهُ وَنَهَى عَنْهُ.

وَالْحَدُّ الثَّالِثُ: حَدُّ الطَّلَاقِ؛ لِبَيَانِ حَقِّ الرَّجْعَةِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ( [البقرة:230].

وَالْحَدُّ الرَّابِـعُ : حَدُّ الْعِدَّةِ؛ لِمَنْعِ الضِّرَارِ وَبَيَانِ الْمُدَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِاعْتِدَادِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، قَالَ تَعَالَى: ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ(  [الطلاق:1]، وَمَنْ تَجَاوَزَ هَذِهِ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فَقَدْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِي الظُّلْمِ وَأَضَرَّ بِهَا وَأَوْرَدَهَا مَوْرِدَ الْهَلَاكِ.

وَالْحَدُّ الْخَامِسُ: حَدُّ الْمِيرَاثِ؛ لِبَيَانِ الْقِسْمَةِ الَّتِي فَرَضَهَا اللهُ، فَمَنْ تَجَاوَزَ هَذَا الْحَدَّ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِعِقَابِ اللهِ وَعَذَابِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا مُقْتَرِنًا بِالْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ؛ لِأَنَّهُ ضَادَّ اللهَ فِي حُكْمِهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ وَحَكَمَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ بَيَانِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ: ) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ( [النساء:14].

وَالْحَدُّ السَّادِسُ: حَدُّ الظِّهَارِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ أَنَّ الظِّهَارَ مَعْصِيَةٌ، وَأَنَّ كَفَّارَتَهُ الْمَذْكُورَةَ تُوجِبُ الْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ فَلَا يَتَجَاوَزُونَ حُدُودَهُ، وَمَنْ تَعَدَّاهَا عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ( [المجادلة:3 -4].

وَالْحَدُّ السَّابِـعُ: حَدُّ الطَّلَاقِ؛ لِبَيَانِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَفِيهِ نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْ تَجَاوُزِ حَدِّهِ، وَهُوَ إِخْرَاجُ الزَّوْجَةِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا، فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لِزَوْجِهَا إِخْرَاجُهَا مَا لَمْ تَأْتِ بِفَاحِشَةٍ وَاضِحَةٍ؛ قَالَ تَعَالَى: )لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا  ( [الطلاق:1].

فَالْتَزِمُوا -عِبَادَ اللهِ- حُدُودَ اللهِ وَلَا تَقْرَبُوهَا. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَظِيمِ الشَّأْنِ ذِي الْجُودِ وَالإِكْرَامِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَوْلَى مِنْ جَزِيلِ الْفَضْلِ وَالإِنْعَامِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَاحْفَظُوا حُدُودَ اللهِ، وَاعْرِفُوا فَضْلَ اللهِ عَلَيْكُمْ؛ فَمَنْ وُفِّقَ لِالْتِزَامِ شَرْعِ اللهِ وَأَدَاءِ حُقُوقِهِ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنِ انْتَهَكَ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ضَلَّ وَغَوَى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ:

لَقَدْ قَسَّمَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ حُدُودَ اللهِ تَعَالَى إِلَى نَوْعَيْنِ:

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: النَّوَاهِي الَّتِي لَا يَجُوزُ الِاقْتِرَابُ مِنْهَا، قَالَ تَعَالَى: )تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ( [البقرة:187]، وَمِنْهَا: عَدَمُ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( [البقرة: 188]، وَعَدَمُ الِاقْتِرَابِ مِنَ الْفَاحِشَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا  ( [الإِسراء:32]، وَعَدَمُ الِاعْتِدَاءِ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ؛ قَالَ تَعَالَى: ) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا  ( [الإِسراء:34].

وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الْأَوَامِرُ الَّتِي أَوْجَبَ اللهُ الْتِزَامَهَا وَالتَّمَسُّكَ بِهَا، وَحَذَّرَ مِنْ تَجَاوُزِهَا وَالتَّعَدِّي عَلَيْهَا، وَفِيهَا قَالَ تَعَالَى: ) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ( [البقرة:229]، فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا« [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

وَاعْلَمُوا يَا رَعَاكُمُ اللهُ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْحُدُودِ: هُوَ زَجْرُ النُّفُوسِ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَالتَّعَدِّي عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ؛ وَذَلِكَ حَتَّى تَتَحَقَّقَ السَّكِينَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَيَنْتَشِرَ الْأَمْنُ وَالْأَمَانُ بَيْنَ أَفْرَادِهِ، وَيَسُودَ الِاسْتِقْرَارُ الِاجْتِمَاعِيُّ، وَيَطِيبَ الْعَيْشُ وَالرَّخَاءُ بَيْنَ النَّاسِ.

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَدَّ لَكُمْ حُدُودًا فِي الْأَوَامِرِ فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فِي النَّوَاهِي فَلَا تَقْرَبُوهَا، وَلَا تَتَعَدَّوْا حِمَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحَرَامِ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، وَمَنِ اتَّقَى حُرُمَاتِ اللهِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشيرٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ:  سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ -وأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ-: »إِنَّ الحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ« [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ]، فَتَمَسَّكُوا بِشَرِيعَةِ رَبِّكُمْ، وَهَدْيِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْعَدُوا فِي دُنْيَاكُمْ وَتَفُوزُوا فِي أُخْرَاكُمْ، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: ) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( [الأحزاب:56].

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الأَرْبَعَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْأَئِمَّةِ الْحُنَفَاءِ المَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَلْهِمْنَا شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَدَوَامَ عَافِيَتِكَ، وَجَنِّبْنَا فُجَاءَةَ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعَ سَخَطِكَ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا إِلَى الْتِزَامِ شَرْعِكَ وَاتِّبَاعِ هَدْيِكَ وَاجْتِنَابِ نَهْيِكَ، وَبَارِكِ اللَّهُمَّ لَنَا فِي أَوْقَاتِنَا وَأَمْوَالِنَا،  وَأَوْلَادِنَا وَأَزْوَاجِنَا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ،  اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالإِيمَانِ،  يَا ذَا الجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني